2019-05-06 22:26:17
الصيام: الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان. و هواة الجدل دائما يسألون
.. كيف يخلق لنا الله فما و أسنانا و بلعوما و معدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا ..؟
يقول كثير من الناس "كيف يخلق لنا الجمال و الشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم و تعففوا ..؟" هل يعقل هذا؟
الإجابة ببساطة : أسأل نفسك ... " هل يعطيك سبحانه وتعالى الحصان لتركبه أم ليركبك .. لتقوده و تخضعه لك أم ليقودك هو و يخضعك له؟..
فجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه و تحكمه و تقوده و تلجمه و تستخدمه لغرضك ، لا ليستخدمك لغرضه ويقودك لشهواته.
و من هنا كان التحكم في الشهوة و قيادة الهوى و لجام المعدة هي علامة الإنسان ..
أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب و تتحمل ما تكره ..
أما إذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك و شهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم و تردعك عصا .. و ما لهذا خلقنا الله . الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين إلى شهوة أرفع .. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد و نصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال ، ثم نعود فنتسلق على هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل إلى الثقافة و العلم و الحكمة ثم نعود فنتسلق إلى معراج أكبر لنستشرف الحقيقة و نسعى إليها و نموت في سبيلها . معارج من الأشواق أدناها الشوق إلى الجسد الطيني و أرفعها الشوق إلى الحقيقة و المثال .. و في الذروة .. أعلى الأشواق لرب الكمالات جميعها . الحق سبحانه و تعالى ..
و لهذا سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها و ثرواتها و كنوزها ، و جعلها بفطرتها تطاوعنا و تخدمنا فنحن لم نبذل مجهودا كبيرا لنجعل الجمل يحمل أثقالنا ، أو الكلب يحرس ديارنا ، أو الأنعام تنفعنا بفرائها و لحومها و جلودها .. و إنما هكذا خلقت مسخرة طائعة .. و إنما العمل الذي خلقنا الله من أجله و التكليف الذي كلفنا به هو أن نركب هذه الدواب مهاجرين إلى الهدف .. إلى الله .. إليه وحده في كماله ..
و العبادة لا تكون إلا عن معرفة . فالحياة رحلة تعرف على الله و سوف يؤدي بنا التعرف على الله و كمالاته إلى عبادته ..
هكذا بالفطرة ودون مجهود ، و هل نحتاج إلى مجهود لنعبد الجميلة حبا .. إنما تتكفل بذلك الفطرة التي تجعلنا نذوب لحظة التطلع إلى وجهها ، فما بالنا لحظة التعرف على جامع الكمالات و الذي هو نبع الجمال كله .. إننا نفنى حبا . و ما الصيام إلا التمرين الأول في هذه الرحلة .
إنه التدريب على ركوب الفرس و ترويضه و تطويعه بتحمل الجوع و المشقة و هو درس الانضباط و الأدب و الطاعة .
هذه المعاني الراقية (( الجميلة )) ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير و نكات و هزليات و صوان و مكسرات و سهرات . و إنما الصائم يفرغ نفسه للذكر و ليس للتليفزيون .. ويخلو للصلاة و قيام الليل و تلاوة القرآن و تدبر معانيه و ليس للرقص و ترديد الأغاني المكشوفة . و قد كان رمضان دائما شهر حروب و غزوات و استشهاد في سبيل الله . كانت غزوة بدر في رمضان .. كما كانت حرب التتار في رمضان .. و حرب الصليبيين في رمضان .. و حرب إسرائيل في رمضان . ذلك هو الصيام الرفيع .. ليس تبطلا .. و لا نوما بطول النهار وسهرا أمام التليفزيون بطول الليل .. وليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل .. وليس نرفزة و ضيق صدر و توترا مع الناس ..
فالله في غنى عن مثل هذا الصيام ، و هو يرده على صاحبه و لا يقبله ، فلا ينال منه إلا الجوع و العطش . و إنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن و العباد ة الحقة . و اسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان و ستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.
رمضان كريم ... كل عام والأمة الإسلامية بخير وسعادة